بعد مرور خمس سنوات على اعتقالهم في يوليو 2020، لا يزال عشرة من أعضاء الجمعيّات النوبيّة المدنيّة في السعوديّة رهن الاعتقال التعسفي، يقضون أحكامًا سجن طويلة بسبب تنظيمهم فعاليّة سلميّة لإحياء ذكرى حرب أكتوبر 1973. ويشكّل استمرار اعتقالهم تذكيرًا صارخًا بأن موجة الإفراجات الأخيرة عن بعض السجناء لا يمكن اعتبارها حتى الآن مؤشرًا على تخفيف جدي في حملة القمع المنهجي التي تمارسها السلطات السعوديّة.
كان الرجال العشرة، وهم جميعًا مواطنون مصريون، من المقيمين منذ سنوات طويلة في السعوديّة، وناشطين في جمعيّات المجتمع النوبي هناك، حين قامت السلطات السعوديّة، في 14 يوليو 2020، بمداهمة منزل عادل سيد إبراهيم فقير، رئيس الجالية النوبيّة في الرياض آنذاك، في عمليّة يُعتقد أن من نفّذها عناصر من ""المباحث"، وهي الجهة التابعة لرئاسة أمن الدولة. وفي اليوم التالي، داهمت القوات السعوديّة منازل كل من فرج الله أحمد يوسف، الرئيس السابق للجالية النوبيّة في الرياض، إلى جانب ثمانية أعضاء آخرين من جمعيّات نوبيّة مدنيّة مختلفة، وهم: جمال عبد الله مصري، محمد فتح الله جمعة، سيد هاشم شاطر، علي جمعة علي بحر، صالح جمعة أحمد، عبد السلام جمعة علي بحر، عبد الله جمعة علي، ووائل أحمد حسن إسحاق.
تعود أسباب اعتقال هؤلاء الرجال إلى ممارستهم السلميّة لحقهم في حريّة التجمع وتكوين الجمعيّات، إذ قاموا بتنظيم فعاليّة سلميّة في الرياض لإحياء ذكرى حرب أكتوبر العربية-الإسرائيليّة عام 1973. وبعد توقيفهم، خضعوا للاختفاء القسري لمدة شهرين، وقد سجنوا بمعزلٍ عن العالم الخارجي لفترات مطوّلة دون تمكينهم من التواصل مع محامين أو الحصول على تمثيل قانوني، قبل أن تبدأ محاكمتهم أمام المحكمة الجزائيّة المتخصّصة في السعوديّة في نوفمبر 2021. وفي أكتوبر 2022، أصدرت المحكمة بحقهم أحكامًا بالسجن تراوحت بين 10 و18 عامًا، جرى تأييدها في فبراير 2023. وقد وُجهت إليهم تهم تتعلق بـ"نشر شائعات كاذبة وخبيثة على وسائل التواصل الاجتماعي"، و"تأسيس جمعيّة غير مرخّصة"، و"دعم جماعة إرهابيّة".
وعليه، لا يزال الرجال العشرة محتجزين في سجن أبها بمنطقة عسير، مع السماح لهم بالتواصل المحدود فقط مع أسرهم. ويعاني عدد منهم، من بينهم عادل سيد إبراهيم فقير (68 عامًا) وفرج الله أحمد يوسف (66 عامًا)، من أمراض مزمنة تتطلّب علاجًا طبيًا منتظمًا. وفي أبريل من هذا العام، قدّمت القسط مذكرة إلى الخبيرة المستقلّة المعنيّة بتمتع كبار السن بجميع حقوق الإنسان، كلوديا مالر، قبيل زيارتها إلى السعوديّة، سلّطت فيها الضوء على جوانب تُظهر كيف يتأثر كبار السن بشكل خاص بانتهاكات الحقوق المنهجيّة في البلاد، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة داخل السجون. وأثناء زيارتها، عُرضت على المقرّرة مجموعة من الخدمات المقدّمة لكبار السن في المملكة، غير أن طلبها بلقاء بعض معتقلي الرأي من كبار السن في سجن الحائر بالرياض قوبل بالرفض.
كما وتُظهر هذه الانتهاكات بوضوح أن الإفراجات الأخيرة عن بعض السجناء لا تمثّل تحوّلًا حقيّقيًا في نهج السلطات السعوديّة تجاه ملف حقوق الإنسان أو في طريقة تعاملها مع معتقلي الرأي. فبالرغم من الإفراج عن العشرات خلال الأشهر الماضيّة، لا يزال كثيرون منهم يواجهون قيودًا صارمة، من بينها حظر السفر وتقييد حريّتهم في التعبير، بينما لا يزال عدد كبير من معتقلي الرأي قابعين خلف القضبان في ظروف اعتقال تعسفي. وفي الوقت نفسه، تستمر مؤشرات انتهاك الحقوق الأخرى في التدهور، من بينها التوسّع المتزايد في استخدام عقوبة الإعدام، مع تصاعد ملحوظ في تنفيذ الإعدامات بحق وافدين أجانب في قضايا تتعلق بجرائم مخدرات غير عنيفة.
تدعو القسط السلطات السعوديّة إلى إسقاط التهم الموجّهة ضد النوبيّين العشرة المحتجزين بسبب ممارستهم السلميّة لحقهم في حريّة تكوين الجمعيّات، وإطلاق سراحهم فورًا، إلى جانب جميع من لا يزالون رهن الاعتقال بسبب ممارستهم السلميّة لحريّاتهم الأساسيّة.