تاريخ النشر: 02/07/2020

علمت القسط مؤخرًا أن هيئة حقوق الإنسان التابعة للسلطات السعودية أبرمت عقدًا مع شركة علاقات عامة أمريكية مدته سنة كاملة وتكلفته الأولية 684,000 دولار، ويتضمن العقد إدارة الاتصالات الاستراتيجية، والتدريب الإعلامي والخدمات التحريرية، وإجراء استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة، يضاف عليها دفوعاتٌ على أي خدمات أو أبحاث أخرى، وقد اطلعت القسط على نسخة من هذا العقد المبرم مع شركة كورفيس للاتصالات، الذي رُفِع إلى وزارة العدل الأمريكية في 16 أبريل 2020 تحت قانون تسجيل الوكلاء الأجانب وأُبْلِغت به صحافة قطاع العلاقات العامة في أمريكا.

تأسست هيئة حقوق الإنسان السعودية في 2005 وهدفها المعلن هو "حماية حقوق الإنسان وتعزيزها وفقًا لمعايير حقوق الإنسان الدولية في جميع المجالات، ونشر الوعي بها والإسهام في ضمان تطبيق ذلك في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية"، ويشير موقعها إلى أنّها "الجهة المختصة بإبداء الرأي والمشورة فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان" وأنّ "لها الاستقلال التام في ممارسة مهامها التي أنشئت من أجلها والمنصوص عليها في تنظيمها"، على الرغم من أنّها مرتبطة "مباشرة بالملك".

تملّق وتزلّف

تشتغل الهيئة عمليًّا كأحد أذرع الآلة الإعلامية للسلطات السعودية، فهي تبذل قصارى جهدها لتقديم انطباعٍ بأن السلطات السعودية مُقْدِمة بكل صدق وإخلاص على التصدي لقضايا حقوق الإنسان ومعالجتها، وذلك على الرغم من أن كل المؤشرات تبين عكس ذلك، ونجد مثالًا على هذا التلميع في خبرٍ منشور على موقعها الإلكتروني حول لقاءٍ إلكتروني لمجلس الهيئة، نوّه فيه رئيسها عواد العواد دون انتقاداتٍ أو تحفّظات "بالجهود التي تبذلها المملكة في مجال حماية وتعزيز حقوق الإنسان"، وَواصلَ مديحه بالقول إنَّ "خلف هذه التطورات إرادة سياسية قوية أسهمت في الانتقال من حيَّز الالتزامات إلى حيَّز الممارسات في مجال حماية وتعزيز الحقوق بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز"، ولم يذكر أيّ دليلٍ أو تفاصيل لهذه الجهود.

وفي إحدى المواد الأخرى المنشورة على الموقع حول جلسةٍ أخرى، "أشاد" المجلس "بِالأوامر والتوجيهات الكريمة التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين"، فهذا المدح الخالي من أي معنى، وفي هذه الفترة الحرجة لا يشتمل حتى على إشارةٍ إلى جوانب حقوق الإنسان المرتبطة بجائحة كوفيد-19، يهدم أي مصداقية أو ادعاءٍ بالاستقلالية لهيئة مهمتها المعلنة هي حماية حقوق الإنسان، خصوصًا لأن واقع الحال هو أنَّ الجهة الأولى المنتهكة للحقوق في البلاد (من وجهة نظر المؤسسات الحقوقية والإعلامية المستقلة حقًّا) هي السلطات نفسها.

دعاية صريحة

إلى جانب ترويجها لصورة زهرية حول الوضع الحقوقي في السعودية، تسعى هيئة حقوق الإنسان جاهدةً إلى إيصال الصورة نفسها في الاجتماعات على المستويات الرفيعة في الداخل والخارج، وخصوصًا في الغرب مع المبعوثين الأجانب والسفارات والمنظمات غير الحكومية، فمسؤولوها يحثّون من يتحدثون معهم على الكف عن انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية، ويطمئنونهم بأن الإصلاحات قادمة في الطريق لا محالة بل يبررون بعض أسوأ انتهاكات السلطة، فقد حاول مسؤولو الهيئة شرعنة الاعتقال التعسفي لناشطات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان بدعوى أنّ المعتقلات والمعتقلين "طالبوا بالشيء الصحيح في الوقت الخطأ"، ولمّح المسؤولون إلى أن بعض رجال الدين المعتقلين عارضوا إصلاحات ولي العهد محمد بن سلمان السطحية، وكأنما ذلك مبررٌ لاعتقالهم التعسفي وسجنهم.

لا ترى القسط في هذه الأفعال ما يليق بمنظمة حقوق إنسان، فما تمارسه الهيئة لا يقف عند التلميع بل يصل إلى تشويه الحقائق، ففي 26 أبريل 2020، "رحّب" رئيسها بصدور أمرٍ ملكي – قبل الإعلان عنه حتى – زعم أنّه ينهي تطبيق عقوبة الإعدام على القُصَّر، في حين أنَّ إلقاء نظرةٍ قريبة على الأمر الملكي يكشف أنّه يحتوي ثغراتٍ تفقده من أي معنى.

في منظور القسط ليست وظيفةُ مؤسسات حقوق الإنسان أن تروج لإجراءاتٍ معيبة لم تدخل قيد التنفيذ حتى.

الفشل في حماية الضحايا

والأسوأ من ذلك كله هو فشل هيئة حقوق الإنسان الواضح في حماية المدافعات عن حقوق الإنسان اللاتي تعرضن للاعتقال والتعذيب في 2018، وعدد منهن ما يزال رهن الاعتقال دون إدانة، فقد زار ممثلو الهيئة السجينات وعقدوا مقابلاتٍ معهن واستمعوا لشهاداتهن حول ما تعرضن له من تعذيب وحشي وتحرش جنسي، ووعد المسؤولون بتقديم تقارير حول قضاياهن إلى الملك سلمان، لكن التقارير لم تنشر، والملك لم يفعل شيئًا حيال هذه الانتهاكات ولم تبذل أي جهودٍ لإنهائها.

أسئلة ونصائح (مجانية) 

لدى القسط عدد من الأسئلة حول عقد العلاقات العامة الباهظ التكلفة مع شركة كورفيس:

  • هل هدف العقد تحسين صورة هيئة حقوق الإنسان نفسها أم صورة السعودية؟ من الأفضل بل والأنجع تحقيق هذين الأمرين بالمعالجة الفعلية والحقيقية لسجل حقوق الإنسان في المملكة.
  • لماذا تود هيئة حقوق الإنسان إجراء استطلاعات رأي في الولايات المتحدة؟ هل هي مهتمةٌ أكثر بآراء المواطنين الأمريكيين من آراء المواطنين والمقيمين في السعودية وسلامتهم وحقوقهم الإنسانية؟
  • هل تفهم الهيئة فعلًا ماهية عمل منظمات حقوق الإنسان ذات الاستقلال الحقيقي؟ هل دورها رصد انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها وإنهائها، أم تلميع صورة المنتهكين وتجليلهم؟

تود القسط تقديم النصائح التالية – دون مقابل – لهيئة حقوق الإنسان ومستشاريها في كورفيس، وسنرسل منها نسخةً إلى رئيس الهيئة عواد العواد ورئيس كورفيس مايكل ج. بيتروزيلو:

تُعتبر هيئة حقوق الإنسان اليوم خادمًا مطيعًا للسلطات السعودية، فإنْ أريد معالجة افتقارها للمصداقية، يجب عليها أنْ:

  • تدافع عن حقوق الإنسان، لا السلطات السعودية.
  • تؤسس استقلالها ابتداءً بالكف عن المديح غير الناقد للبيانات الرسمية.
  • إصدار تقارير دورية حول انتهاكات حقوق الأفراد المزعوم منها والموثق، والتحقيق في الحالات كلٌّ منها على حدة والعمل على محاسبة المسؤولين.
  • المناداة بالإفراج الفوري عن كل سجناء الرأي – فالملك أو ولي العهد يمكن لهما فعل ذلك متى حلا لهما الأمر.
  • مطالبة السلطات علنيًّا بإنهاء الممارسات التي تحرم المواطنين والمقيمين من حقوقهم على نحوٍ ممنهج، بما فيها على سبيل المثال لا الحصر:
  1. الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والتعذيب والمعاملة القاسية أثناء الاحتجاز.
  2. التحكم السياسي بالقضاء، والمحاكمات غير العادلة، وانعدام الشفافية في الإجراءات القضائية.
  3. نظام ولاية الرجل الذي يحرم النساء البالغات من ممارسة العديد من حقوقهن الأساسية.
  4. استخدام عقوبة الإعدام، خصوصًا على الجنايات غير العنيفة أو المبهمة، وعلى القُصَّر.
  • إجراء زيارات مستقلة حقًّا ومفاجئة إلى السجون، ومراكز الشرطة، وغيرها من أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية لمراقبة الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والإجراءات اللائقة، ونشر الاستنتاجات والمتابعة بأنشطة هادفة.
  • رفع التقارير والتعليقات المستقلة إلى آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بدلًا من الحضور كجزءٍ من الوفد السعودي الرسمي، أو ترأسُه.
مشاركة المقال
ملف الترشح السعودي لكأس العالم 2034 يترك خطرًا مباشرًا مفتوحًا لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان –إحاطة إعلامية جديدة من القسط
إنّ محاولات السعوديّة لاستضافة كأس العالم 2034 لكرة القدم للرجال لا ترقى إلى الحد الأدنى من معايير حقوق الإنسان الخاصة بالإتحاد الدولي لكرة القدم، وتترك المجال مفتوحًا على مصراعيه لخطر حدوث الانتهاكات.
المنظّمات غير الحكوميّة تدعو السعوديّة إلى تعزيز حقوق المرأة تحت إشراف اللجنة المعنيّة بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة
في 9 أكتوبر 2024، قامت لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة (المُشار إليها فيما يلي باسم "اللجنة") بفحص سجلّ السعوديّة خلال دورتها الخامسة للاستعراض الدوري.
نيوم: كشف الحقائق المقلقة
القسط تنشر إحاطة إعلاميّة متعمّقة حول المخاوف المتعلّقة بحقوق الإنسان والمخاوف البيئيّة المتعلّقة بمشروع المدينة العملاقة السعوديّة.