تاريخ النشر: 30/08/2021

لا تزال السلطات السعودية تواصل بشكلٍ روتيني ارتكاب عمليات الإخفاء القسري، ولم تتوقف هذه العمليات في الأشهر الأخيرة حتى، لتضاف اسماء جديدة من معتقلي الرأي إلى عداد المفقودين.

في الأشهر الأخيرة اعتقل وأخفي العديد من النشطاء والمدونين اعتقالًا تعسّفيًا على خلفية ممارستهم حقهم في حرية التعبير عبر الإنترنت بشكل سلمي لا أكثر، ومن هؤلاء من اعتقل في مايو، منهم لينا الشريف وعبد الله جيلان في مايو، ومن اعتقل في يوليو، ومنهم عبد الله المباركي، واقتيد كل منهم إلى أماكن مجهولة وحُرموا من الاتصال بأسرهم منذ وقت إخفائهم، ولا تملك القسط أي معلومات إضافية حول وضعهم أو موقع احتجازهم، ما يثير مخاوف حول سلامتهم الشخصية.

يعرّفَ الاختفاء القسري وفق ما جاء في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري 1992 بأنه: الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون. 

ولم تصادق السعودية على الاتفاقية، وتستمر في ممارسة الإخفاء القسري بشكل ممنهج كجزءٍ روتيني من استهدافها لكل من يمارس يمارس الحق في التعبير عن الرأي وغيره من الحقوق الأساسية بنحوٍ يخالف أهواء السلطات وشخوصها. ومن الأمثلة على ذلك سليمان الدويش الذي اعتقل في 22 أبريل 2016 بعد يوم من نشره تغريدات (أنظر تقرير القسط السنوي لعام 2018، الصفحة 32) يظن أنه ينتقد فيها الملك سلمان ومحمد بن سلمان الذي كان نائبًا لولي العهد وقتها، فقلّته طائرة إلى الرياض ليلتها وأخذ بعد ذلك إلى أحد القصور الملكية، حيث تطاول عليه أحد كبار المسؤولين بالضرب المبرح حتى غرق بالدماء وتدخل بعض الحضور للحؤول دون قتله، ولم تكن تلك آخر مرة يعذب فيها أثناء احتجازه، وقد شوهد الدويش آخر مرة في يوليو 2018 في إحدى معتقلات القصور الملكية، ولم ترد أي أنباء عنه أو عن صحته أو مكان احتجازه منذئذ، وما يزال اليوم رهن الإخفاء القسري.

وكما سلف الذكر، تعرض عدد من أعضاء العائلة المالكة للإخفاء القسري، فبعد اعتقال سلمان آل سعود نُقِل إلى سجن الحائر واحتجز بمعزل عن العالم الخارجي لمدة سبعة أشهر دون أن ترد أي أخبار عن مصيره ، وبعد نقله مع أبيه عبدالعزيز آل سعود في أوائل 2019 إلى الحبس في فيلا خاصة تملكها السلطات، اقتادَ رجال ملثّمون الابن سلمان في يوم 28 مارس 2020 من الفيلا إلى موقع مجهول، فأخفي قسريًّا لمدة شهرين قبل أن يعاد إلى أبيه في نهاية مايو، لكن هذا الوضع لم يدم طويلًا، ففي 28 نوفمبر 2020 نقل كلٌّ منهما إلى موقع مجهول وما يزالان رهن الإخفاء القسري حتى وقت كتابة هذا التقرير.

وقد تعرضت بسمة بنت سعود آل سعود للإخفاء القسري لمدة شهر بعد اعتقالها في مارس 2019 ولم يتح لها الحديث مع عائلتها حتى أبريل 2019، وقد حرمت أثناء ذلك من الرعاية الصحية الضرورية لحالة صحية حرجة، وعادت بعد ذلك رهن الإخفاء القسري هي وابنتها سهود مع وجود مخاوف بأن صحتهما في تدهور وأن السلطات تتعمد الاستهتار بحياتهما.

وممارسة الإخفاء القسري جزء من منهج أوسع يبدأ بالاعتقال التعسفي، يتبعه فترة تطول أو تقصر من الإخفاء القسري وبعدها يظهر المعتقل عند محاكمته، ما يعني أن أغلب المعتقلين في السعودية يمرون بفترات إخفاء قسري. وفي حالات معينة يستمر الإخفاء القسري لفترات طويلة جدًّا، ما يبعث بالقلق حول سلامة ومصير الضحية. في بعض الأحيان، يكشف عن معلومات محدودة بعد فترة طويلة من الاختفاء، يتبعه حرمان الضحايا من حقهم في إجراء أي اتصال آخر، ما يثير المخاوف  بشأن سلامتهم ومصيرهم.

وقد اعتقل الصحافي تركي الجاسر في 15 مارس 2018 بعد مداهمة  منزله، وأخفي هو الآخر قسريًّا بعد ذلك، ولم يسمح له بأي زيارة أو الاتصال بأسرته ورفضت السلطات السعودية الإجابة عن أي استعلامٍ بشأنه، وذلك حتى فبراير 2020 في ردٍّ على مذكرة من الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة حيث قالت إنه محتجز في سجن الحائر، حيث سمحت له بالتزامن مع ذلك بإجراء مكالمة هاتفية وحيدة مع عائلته أعلمهم فيها بمكانه، وعاد محرومًا من التواصل بعد ذلك ومخفيًّا قسريًّا.

وأما الحالة البارزة الأخرى فهي قضية عبدالرحمن السدحان، فبعد أن اعتقلته المباحث من مقر عمله في الهلال الأحمر بالرياض في مارس 2018 أخفي قسريًّا لمدة 23 شهرًا دون أن ترد أي أخبار توضح مصيره، وفي 12 فبراير 2020 سمح له بمكالمة واحدة مع عائلته ذكر لهم أثناءها أنه محتجز في سجن الحائر. والسدحان حُرم من الاتصال مع عائلته حتى 22 فبراير 2021. ورغم إبلاغه بأننه لن توجه إليه أي تهم، وأن إطلاق سراحه قريبٌ، إلا أن السلطات بدأت محاكمته في 3 مارس 2021 أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، ومن ثم في 5 أبريل، حُكم عليه بالسجن 20 عامًا بسبب نشاطه السلمي، ولا يزال السدحان محرومًا من حق  الاتصال والتواصل  مع عائلته.

على السلطات السعودية وضع حد لممارسة الإخفاء القسري والكشف فورًا عن حال جميع المختفين قسريًا، والمصادقة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري.

مشاركة المقال
ناشط سعودي طالب لجوء في بلغاريا معرّض لخطر الترحيل
يخضع الناشط السعودي عبد الرحمن الخالدي لأمر ترحيل من بلغاريا إلى السعودية، حيث سيكون عرضة لخطر كبير من الاحتجاز التعسفي وغيره من الانتهاكات الجسيمة للحقوق.
اعتقالات وحل مجلس إدارة نادٍ في السعودية على خلفية أهازيج جمهوره
على عكس ما تدعيه السعودية عن انفتاحها، واستمراراً لنهجها في خنق حرية التعبير وحرية المعتقد، اتخذت السلطات موقفا متشددا ضد نادي الصفا في مدينة صفوى في المنطقة الشرقية.
يخلص تقرير القسط إلى اتساع الفجوة بين الرواية الرسمية والواقع القاسي لانتهاكات حقوق الإنسان في السعودية
يسلط التقرير السنوي للقسط لعام 2023 الضوء على التناقض الصارخ المتزايد بين مشاريع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اللامعة التي لا طائل منها من ناحية، وقمع الشعب السعودي من ناحية أخرى.